يعتقد الكثير من الناس انهم في هذه الحياة فقط مجرد الات مسيرة , وان كل ما يصدر عنهم هو خارج عن نطاق تحكمهم, فالامر في نظرهم هو تسليم كامل للقدر , وان ما يصيبهم في حياتهم من خير او شر , حسنة او سيئة هو ذاك الذي كتب لهم منذ بداية الخلق ليس بامكانهم فعل أي شيء حيال ذلك
وهنا سأطرح العديد من الاسئلة
هل بالفعل خلق الانسان ليكون مسيرا فقط ؟؟
اذا كان كذلك فلم يعاقب ويحاسب على كل فعل يقترفه (ان كان خيرا فخير وان كان شرا فشر) ولم يكن له الخيار في ذلك ؟؟
وايضا ان كان كذلك فأين هو العقل البشري من ذلك ؟؟ ما هو الهدف من وجودنا بعقول ان كانت مبرمجة بتلك الطريقة ؟؟ ما الذي يجب ان نفكر به ومالذي يجب ان نعقله ؟؟
والجواب هو كالتالي
ان الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون وابدع في خلقه وسيره بعلمه وحكمته وعدله وجبروته قال تعالى " الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" , وقدر فيه المقادير قال تعالى "انا كل شيء خلقناه بقدر" , فكل امر وكل حادثة تواجهنا حتى ادق التفاصيل في حياتنا هي بتقدير من الله عز وجل .
لكن !!
تركت لنا ايضا نحن البشر مساحة نستطيع فيها ان نتخذ القرار أي ان نختار , وان الاختيار قام به العقل بعد التفكير
يقول تعالى "وهديناه النجدين" فبين الله للانسان سبيل الحق وسبيل الضلال , واصبح الانسان امام خيارين يستطيع ان يختار بينهما ..
خذ على سبيل المثال وبكل بساطة :
قبل يوم من موعد الامتحان , تستطيع أن تقوم بدراسة المساق الممتحن فيه وتستطيع ان تترك الكتاب وتنشغل في غير ذلك كمشاهدة التلفاز (بصرف النظر عن أي ظروف طارئة تواجهك) .. هنا كنت انت من تملك الخيار بالدراسة او الترك وبعد تفكير باستخدام عقلك اخترت ان تدرس او لا تدرس اذا انت تملك مساحة للاختيار وهذا الاختيار بما فيه الوقت الذي استغرقته بالتفكير والطريقة التي فكرت فيها هي في علم الله عز وجل لا تخفى عليه خافية قدر ذلك عليك وحين تلوم نفسك تجد انك بشكل تلقائي تقول "لماذا لم أتخذ القرار الاخر كان بامكاني فعل ذلك"
بمعنى آخر ان اختيارك مقدر عليك .. لا تلم القدر فانت الذي اخترت
مثال آخر : شخص يدخن , تأمره أن يطفئ السيجارة .. والان يستطيع فعل احد الامرين اما ان يطفئها واما ان يكمل شربها , والان فكر واختار ان يطفئها .. اذا هو يملك الخيار هو يستطيع فعل الامر لكن فكر ثم اختار , وان الذي اختاره يعلمه الله عز وجل ويقع تحت مشيئته
الامر اصبح واضحا , العقل وهو الجزء الذي يميزنا عن الدواب هو الذي يفكر والناتج هو الاختيار وردة الفعل (الاستجابة) لتلك الفكرة
قليل هم الذين يعون الذي ذكر اعلاه .. وتلك هي بداية الطريق نحو التفكير الايجابي الذي لا يمكن ان يتم الا باالايمان بالله وبقدره وانها مسلّمة لا يمكن المساس بها .. وان الاستسلام والايمان بالله وبقدره لا يعفينا من الاخطاء التي نرتكبها لانه يجب علينا في كل الامور ان نتوكل على الله ونأخذ بالاسباب وان لم ناخذ بالاسباب فهذا يعني ان العقل قد فكر بطريقة خاطئة وانقلب المسمى الى التواكل الذي نهى عنه الشرع , وحينها لا يصح لوم القدر
وكما قال عمر بن الخطاب "ان السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة" حين زجر اولئك الذين قعدوا في المسجد ولم يعملوا لكسب قوتهم
العقل الذي هو اداة التفكير الذي هو يقوم بالاختيار يستطيع ان يقرر اما ان يكون ايجابيا واما ان يكون سلبيا وعليه تبنى المشاعر والافعال المترتبة عليه .. وان اولئك الذين فكروا بايجابية جذبوا احداثا ايجابية وصلوا من خلالها الى اماكن بعيدة في الفضاء وبنوا حضارات عظيمة واوجدوا العديد من الانظمة والقوانين واستطاعوا اختراع العقاقير وصنع معجزة الحاسب الالي والاتصالات والمواصلات وغير ذلك في كل المجالات المتقدمة التي تبهرنا مشاهدتها.